كنت أفكر قبل عدة أيام بأن الحياة الدنيا فيها الكثير من المظلومين، وأن الظالم في أحيان كثيرة ينجو بفعلته، فهل سيكون عقاب الظالم فقط يوم القيامة أم أنه يعاقب في الدنيا أيضا؟ وهل يضيع حق المظلوم؟
1
كنت أفكر قبل عدة أيام بأن الحياة الدنيا فيها الكثير من المظلومين، وأن الظالم في أحيان كثيرة ينجو بفعلته، فهل سيكون عقاب الظالم فقط يوم القيامة أم أنه يعاقب في الدنيا أيضا؟ وهل يضيع حق المظلوم؟
1
3
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما سؤالك: "هل يضيع حق المظلوم؟" فالجواب: قطعاً لا يضيع حق المظلوم، بل لا بد للمظلوم من أن يأخذ حقه إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذه من قواعد العدل التي قامت عليها السماوات والأرض.
جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إلى أهْلِها يَومَ القِيامَةِ، حتَّى يُقادَ لِلشّاةِ الجَلْحاءِ، مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ). صحيح رواه مسلم
فهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم أن كل صاحب حق سيأخذ حقه يوم القيامة وكل ظالم سيعطي ما عليه، حتى بين الدواب، فإذا كانت الشاة التي لها قرون استطالت على الشاة التي ليس لها قرون فنطحتها في الدنيا فإن الله يقم العدل بينهما يوم القيامة فيعطي المنطوحة قروناً تنطح بها الشاة التي نطحتها في الدنيا ثم يُصيّرهم تراباً.
فإذا كان هذا عدل الله بين الدواب وهي لا تعقل فكيف ظنك بعدل الله بين البشر؟!
أما سؤالك: هل يكون عقاب الظالم في الدنيا أو في الآخرة فقط؟ فهذا راجع لحكمة الله وإرادته وعلمه، فهو الذي يقدّر ذلك ويقضيه، فقد يعجّل العقوبة في الدنيا للظالم وهذا نراه كثيراً في حياتنا، وقد يؤخّرها إلى يوم القيامة، وقد يعجّل له بعضها ويؤخّر له بعضها إلى الآخرة.
جاء في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يُمْلِي لِلظّالِمِ، فإذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ وكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ، إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ). صحيح رواه مسلم
ولكن عليك الانتباه إلى أمرين اثنين:
إن عقوبة الظالم في الدنيا لها أشكال وأنواع، فقد تكون بعقوبة عاجلة ظاهرة يراها الناس وهذا يكون عبرة لغيره، وقد يكون بعقوبة لا يعلمها كثير من الناس كعقوق ولده وحرمانه البركة في رزقه أو مرضه، أو قلقه واضطرابه النفسي ومنعه النوم والراحة، وقد يكون بحرمانه التوفيق والطاعة والإيمان وهذه من أعظم العقوبات لمن تَدبّر.
تأخير العذاب إلى يوم القيامة فيه تشديد أكبر لأن عذاب الآخرة أشد وأعظم، والظالم إذا عوقب بظلمه في الدنيا قد يخفَّف عنه من عقوبة الآخرة إذا كان مسلماً، أما إذا لم يُعاقب على ظلمه في الدنيا فإن جميع الحساب يُدّخر له يوم القيامة وهذا من أعظم الحساب.
نسأل الله العافية.
3
0
عاقبة الظالمين وجزاؤهم في الدنيا تختلف باختلاف الأحوال؛ فكلٌّ يعاقب بحسب ظلمه ومقداره، وقد تكون على عِدَّة أوجه، سنذكر لك بعضاً منها:
وما أعظمها من خسارة كخسارة الهداية للرشد والصلاح، فيبقى على طغيانه وجبروته ما دام حيّاً، ويطمس الله على قلبه لينال أشدَّ الجزاء، قال -تعالى-:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) "المائدة:51".
ويعني ذلك استدراج الظالم بإمهاله للتوبة، وعدم تعجيل العقوبة له، ليأخذه الله -تعالى- على أقبح حال وأشنع صورة ممكنة، ففي هذا قِمَّة العدل، فلا يؤخره الله -تعالى- إلاّ ليعاقبه أشدُّ العقوبات، قال -تعالى-:(إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) "آل عمران: 178".
حذّر الرسول -عليه الصلاة والسلام- من الظلم فقال:(ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ -تعالى- لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يدِّخر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرحمِ) "أخرجه الترمذي والحديث حسن صحيح"، وذلك يعني أنَّ الظالم تعجّل له العقوبة في الحياة الدنيا في أغلب الأحوال، مع ما يدخره له في الآخرة، فعقوبة الدنيا لا ترفع عنه عذاب الآخرة، بل هي من باب مزيد العذاب والوعيد لصاحبه.
قال -تعالى-:(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) "الشورى:42"، فعذابهم سيكون شديداً أليماً كلٌّ حسب ظلمه؛ فكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ) أخرجه مسلم عن عبدالله بن عمر.
إذ ليس بينه وبين الله -سبحانه وتعالى- حجاب؛ يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (ودعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ ويقولُ الرَّبُّ: وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حينٍ) أخرجه ابن حبان، والحديث صحيح بشواهده، فالمظلوم لا يملك شيئاً إلا الدعاء على من كسره وظلمه واعتدى عليه، فمن ذا الذي يؤيده وينصره على من ظلمه سوى الله -سبحانه وتعالى-، فهو العدل الفرد الصمد القادر على كلِّ شىء، وهو نعم المولى ونعم النصير.
وكن على ثقة تامَّة أنه لا أحد ينجو بفعلته، لوجوب العدل الإلهي الرباني، ولكن قد يُؤخَّر الله -سبحانه- العقوبة له في خاتمة عمره ليكون عِبرة لمن حوله، أو يؤخرها ليوم القيامة، والمظلوم إذا صبر واحتسب له أجر عظيم بإذنه -تعالى-، قال -جلَّ وعلا-: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ) "الشورى 40-41".
وهذا يعني أنَّ الله أعطى المظلوم حقَّ الاقتصاص من الظالم إن قدر عليه، وليس عليه سبيلٌ في ذلك، مع مراعاة أنْ يلجأ المظلوم إلى الجهة المسؤولة ليرفع إليها مظلمته؛ خاصة إنْ تعلّقت بدم أو قصاص، ورغم ذلك؛ فإنّ المولى -سبحانه- دلَّه على أمرٍ أفضل منه وهو العفو، وهو طلب ما عند الله بالعفو عن الظالم، فله أجره وثوابه من الله أيضاً، والله أعلم.
0
جميع الحقوق محفوظة © موضوع سؤال وجواب
أدخل البريد الإلكتروني لتتلقى تعليمات حول إعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.