لدي بحث عن أهمية حب النفس، وأرغب بالتطرق للموضوع من ناحية دينية، فهل هناك ما يدل على أهمية حب النفس في القرآن؟
1
لدي بحث عن أهمية حب النفس، وأرغب بالتطرق للموضوع من ناحية دينية، فهل هناك ما يدل على أهمية حب النفس في القرآن؟
1
1
أهلاً وسهلاً أخي الكريم، خلق الله -تعالى- النفس البشرية، وتكلم عنها في كتابه العزيز، لكن لم يورد الحديث عن معنى حب النفس صراحةً بالمعنى الإيجابي الذي ذكرت؛ لأنَّها عندما خلقت جبلت على حب ذاتها، وجاء التشريع ليهذبها حتى لا تصل للهوى المذموم؛ الذي يطغى على العقل فلا يستجيب للحق، لكن يمكننا أن نتأمل معاني حب النفس وتقديرها في مضمون وثنايا الآيات القرآنية، وفي مجمل الشريعة الربانية.
وسأبيِّنُ لك بعض هذه المعاني لحب النفس وتقديرها من القرآن، وذلك كما يأتي:
وعدم نسيان حظها من الأعمال الصالحة، أو الأعمال التي فيها صلاح دنياها، وبهذا قال -تعالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ). "القصص: 77"
فطرت كلُّ نفسٍ على حب ذاتها فهي غريزة بشرية، وجاء التدليل على ذلك في عدة آياتٍ قرآنية، كقوله -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ)، "آل عمران: 14" وكقوله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). "العاديات: 8"
ولا يعني أن حب النفس لذاتها ولرغباتها من المتاع أمرٌ محرَّمٌ أو مذمومٌ، بل إنَّ الله -تعالى- قال: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، "الأعراف: 32" فالمتاع والزينة، والطيبات التي في الدنيا موضوعةٌ لكي يحقق الإنسان رغبات نفسه.
لكنَّ المذموم هو أن يطغى حب النفس، ويصبح تقديرها مبالغاً فيه لدرجة الهوى، ونسيان العقل، وفقدان البصيرة، ورفض الحق، ونسيان الآخرة، والهدف من أصل خلقه ووجوده، وهي عبادة الله -تعالى- في أرضه، وإصلاح دنيا الإنسان بشرية ربه.
لأجل ذلك اعتُبرَ أنَّ الذي يزكي نفسه، ويهذبها ويعلمها؛ فإنه يحب نفسه بحق، ويحب لها الخير، بعكس الذي يظلم نفسه، قال -تعالى-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا). "الشمس: 7-10"، وكان من أول ما نزل من القرآن اقرأ، وغيرها من الآيات التي حفزت النفس على حب ذاتها من خلال تطوير الذات، وتنقيتها، وتعلمها وتفكرها.
إن مدار الأحكام الشرعية، يتلخص في المقاصد أو الضرورات الخمس، ومنها حفظ النفس البشرية؛ فالمرء لم يُؤمر بأن يكلف نفسه فوق طاقته في كل العبادات والأحكام، يقول -تعالى-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، "البقرة: 195" فالإحسان إلى النفس، بعدم تكلفتها ما لا تطيق أمرٌ رباني، يقول -تعالى-: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ). "البقرة: 286"
ولأجل ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- موجهاً الصحابي عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: (فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا). "أخرجه البخاري"
1
جميع الحقوق محفوظة © موضوع سؤال وجواب
أدخل البريد الإلكتروني لتتلقى تعليمات حول إعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.