من هم المماليك؟

حياكم الله الأخ السائل، ترجع بداية قصة دولة المماليك إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب، والذي كان آخر الملوك الأيوبيين، وكان الملك الصالح قد استكثر من استجلاب المماليك، وعمل على تربيتهم تربية عسكرية، حتى أصبحوا أمراء وقادة جيوش.

وقد نُسب هؤلاء المماليك إليه فسُموا بالمماليك الصالحية، وذكر الأستاذ محمود شاكر في كتابه "التاريخ الإسلامي" أن نجم الدين خاف من اجتماع الملوك الأيوبيين عليه، ولذلك استكثر من المماليك، وبنى لهم قلعةً خاصة بجزيرة الروضة، وقد سموا بالمماليك البحرية نسبةً إلى جزيرة الروضة.

وقد بدأ المماليك بالظهور في معركة المنصورة، عندما توفي الملك الصالح أثناء قتال الصليبيين، واستطاع فارس الدين أقطاي وركن الدين بيبرس قيادة جيش المماليك، وهزيمة الصليبيين، ولكن بعد ذلك قدم توران شاه ابن الملك الصالح، وتولى الحكم، وأساء في معاملة الأمراء المماليك حتى انقلبوا عليه وقتلوه.

ويقسم المؤرخون دولة المماليك إلى فترتين: دولة المماليك البحرية، ودولة المماليك البرجية، وامتدت فترة حكم دولة المماليك البحرية من تاريخ 648 هـ إلى 784هـ، وكان أكثر ملوكهم من الأتراك والمغول، وكان أول سلطان هو المعز عز الدين أيبك، وبرز من سلاطينهم سيف الدين قطز، وركن الدين بيبرس اللذان استطاعا هزيمة المغول في معركة عين جالوت سنة 658 هـ.

واستطاع الظاهر بيبرس بعد ذلك إحياء حركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين في بلاد الشام، وقد كانت حركة الجهاد قد خمدت بعد وفاة صلاح الدين؛ بسبب النزاعات بين إخوته وأبنائه.

واستطاع الظاهر بيبرس استعادة عدد من المدن من الصليبيين منها: الرملة، وصفد، ويافا، وقيسارية، واستطاع السلطان المنصور قلاوون استعادة اللاذقية وطرابلس وعدد من المدن، وألحق الهزيمة بالمغول في معركة حمص واستطاع رد غزوهم لبلاد الشام، وبعد ذلك استطاع السلطان الأشرف خليل بن قلاوون استعادة عكا، وصور، وصيدا، وطرد الصليبيين نهائيًّا من بلاد الشام.

وأما المماليك البرجية فاستمر حكمهم من سنة 784هـ إلى سنة 923 هـ، وكانوا جميعًا من الشراكسة باستثناء اثنين، وكان أول سلطان هو الظاهر برقوق، وكان من إنجازاتهم أن استطاع الأشرف برسباي إعادة قبرص إلى بلاد المسلمين، وكان من أبرز سلاطين المماليك الظاهر جقمق الذي عُرف عنه تدينه واعتداله في الحكم، وتحريمه للمعاصي وشرب الخمور، وحاول إعادة فتح رودس، ولكنه لم ينجح.

وفي عصر دولة المماليك البحرية والبرجية كثرت النزاعات الداخلية بين الأمراء، ولكن من أبرز الجهود المثمرة التي قاموا بها إعادة فتح الجامع الأزهر -بعد أن أغلقه صلاح الدين وقاموا بترميمه وتوسعته، واهتموا به حتى كان العصر المملوكي هو العصر الذهبي للأزهر.

وقد انتعشت حركة الصناعة والتجارة والزراعة في العصر المملوكي؛ فقد اهتم المماليك بإنشاء الجسور، وشق التِّرَع، لوصول مياه الرَّي إلى الأراضي التي لا تصلها الماء، وشاع صناعة الأقمشة الفاخرة من الحرير، والصوف، والكتان، والقطن، بالإضافة إلى المصنوعات المعدنية ذات النقوش والكتابات العربية الجميلة، وبلغت حركة التجارة أوجها في العالم في ذلك الوقت في بلاد المماليك.

وقد اهتم المماليك أيضًا بحركة العلم، والثقافة، وأنشأوا المدارس والمساجد، وكان لكل مدرسة خزانة كتب يرجع إليها العلماء للبحث، واهتموا بالعلماء، حتى سُمي عصر السلطان محمد بن قلاوون بعصر الموسوعات.

وظهرت الكتب والمصنفات في جميع العلوم؛ العلوم الشرعية والأدبية، والاجتماعية، والطب، والصيدلة، والهندسة وغير ذلك، وظهرت الإبداعات في مجال العلوم التطبيقية كظهور علم التشفير، وظهور أول طريقة لتعليم المكفوفين وغير ذلك من الاختراعات والاكتشافات.

لقد كان لدولة المماليك الدور الأبرز في التصدي لحملات المغول على بلاد الشام، وطرد الصليبيين من الشام ومصر، وإعادة عصر الازدهار العلمي والثقافي الذي خمد منذ سقوط الخلافة العباسية في بغداد.