بينما كنت البارحة أقرأ سورة التوبة، وصلت عند الآية التي تتحدث عن الثلاثة الذين لم يخرجوا للجهاد في معركة تبوك ثم تاب الله عليهم، وأريد معرفة من هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؟
1
بينما كنت البارحة أقرأ سورة التوبة، وصلت عند الآية التي تتحدث عن الثلاثة الذين لم يخرجوا للجهاد في معركة تبوك ثم تاب الله عليهم، وأريد معرفة من هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؟
1
2
حياكم الله السائل الكريم، وأهلاً وسهلاً بك، خرج المسلمون كلهم في غزوة تبوك؛ إلّا أصحاب الأعذار الحقيقية، بالإضافة إلى المنافقين بأعذارهم الكاذبة، وثلاثةٌ من الصحابة ليس لهم عذر، لكنهم ارتكبوا ذنباً حين تباطؤا في تجهيز أنفسهم واللحاق بالرسول -عليه الصلاة والسلام- وهم:
وغزوة تبوك حدثت في السنة التاسعة للهجرة، حيث أمر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- المسلمون بالنفير العام؛ لمواجهة الروم في تبوك، وكان ذلك في وقت الصيف، وكان الجو شديد الحرارة، والطريق طويلٌ، وكان وقت قطف الثمار، والعدو قويُّ العُدّة، كثير العدد، حتى سُمي الجيش؛ بجيش العسرة.
وبعد عودة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والصحابة من غزوة تبوك إلى المدينة المنورة منتصرين، دخل المسجد وصلّى فيه ركعتين، وجاءه كلُّ من تخلف عن الغزوة ليُقدموا أعذارهم، وأغلبهم منافقين وأعذارهم كاذبة؛ لينجوا من محاسبة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، فيقبل منهم، ويستغفر لهم.
وآثر الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن المعركة الصدق على إظهار حجج واهية، ولم يجدوا غير الاعتراف بالذنب سبيلاً للنجاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يُوحَى إليه، وسورة التوبة فضحت المنافقين وكشفت كذبهم وزيف ادّعاءاتهم.
يروي الصحابي كعب بن مالك -رضي الله عنه- حديثاً طويلاً جاء في بعض روايته، ما دار بينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: (فَجِئْتُهُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عليه تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ، فَجِئْتُ أمْشِي حتَّى جَلَسْتُ بيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: ما خَلَّفَكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ فَقُلتُ: بَلَى، إنِّي واللَّهِ لو جَلَسْتُ عِنْدَ غيرِكَ مِن أهْلِ الدُّنْيَا، لَرَأَيْتُ أنْ سَأَخْرُجُ مِن سَخَطِهِ بعُذْرٍ، ولقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا، ولَكِنِّي واللَّهِ، لقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليومَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى به عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ، ولَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ، إنِّي لَأَرْجُو فيه عَفْوَ اللَّهِ، لا واللَّهِ، ما كانَ لي مِن عُذْرٍ، واللَّهِ ما كُنْتُ قَطُّ أقْوَى، ولَا أيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: أمَّا هذا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ). "أخرجه البخاري"
فأمر الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يتجنب الناس هؤلاء الثلاثة؛ فلا يكلمهم أحدٌ، حتى أهل بيوتهم، فأصبحوا في بيوتهم يبكون، واستمر هذا الحال خمسين ليلة، فندموا ندماً شديداً، وضاقت الأرض عليهم، وقد جاء أنّه لما مضى أربعين ليلة أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- كعب أن الله يأمره باعتزال زوجته، فاشتد الأمر عليهم.
ولما كانت ليلة الخمسين، أنزل الله توبته عليهم، بقوله -تعالى-: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّـهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ). "سورة التوبة: 118"
ويروي كعب بن مالك -رضي الله عنه- لنا ذلك الموقف العظيم، فيقول: (قَالَ كَعْبٌ: حتَّى دَخَلْتُ المَسْجِدَ، فَإِذَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ إلَيَّ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حتَّى صَافَحَنِي وهَنَّانِي، واللَّهِ ما قَامَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ، ولَا أنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ علَى رَسولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ: أبْشِرْ بخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ ولَدَتْكَ أُمُّكَ، قَالَ: قُلتُ: أمِنْ عِندِكَ يا رَسولَ اللَّهِ أمْ مِن عِندِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِن عِندِ اللَّهِ). "أخرجه البخاري"
2
جميع الحقوق محفوظة © موضوع سؤال وجواب
أدخل البريد الإلكتروني لتتلقى تعليمات حول إعادة تعيين كلمة المرور الخاصة بك.