حياك الله السائل الكريم، فقد حرّم الله -تعالى- الخمر في كتابه الكريم على ثلاثة مراحل، وهي كالآتي:
- المرحلة الأولى
هي التي بيّن فيها للناس إثم الخمر، وأن ضرّه أكثر من نفعه، في قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا). "البقرة:219"
- المرحلة الثانية
هي التي بيّن فيها حرمة التقرب إلى الله في حالة شربه؛ حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ). "النساء:43"
- المرحلة الثالثة
جاء بعد ذلك التحريم القطعي للخمر، وهو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ). "المائدة:91-92"
وجاء النهي عن الخمر بلفظ (فَاجْتَنِبُوهُ)؛ وهو فعل أمر يفيد الوجوب، والاجتناب أشدّ أنواع النهي والتحريم، واستخدام هذه الصيغة يكون للمبالغة في الأمر بترك هذه الرذيلة؛ فالله -تعالى- لا ينهى عن الخمر فحسب، بل ينهى عنه ويأمر بأن تكون أنت في جانب والخمر في جانب آخر.
وجاء بعدها من قول (لعلكم تفلحون) فهذا ليس ليصرف التحريم إلى الكراهية؛ بل يقصد بذلك أنّ الفلاح لا يكون إلا بترك هذه المحرمات، والله -تعالى- يخاطب العقول، فقد بيّن أنّ الخمر رجسٌ وبين أضراره، ثمّ أمر باجتنابه، لعل اجتنابه يكون سببًا في نيل الفلاح في الدنيا والآخرة.
والاجتناب يقتضي أن يكون مُطلقًا؛ بحيث يُترك كل ما يتعلّق بالمَنهي عنه، فالخمر يَحرُم شربها، وبيعها، والمداواة بها، وغير ذلك من أي فعل له اتصال بها، فكيف يكون أمر النهي بالاجتناب بعد هذا التوضيح محمول على الكراهة، وهو أشد صيغ التحريم.
وما بعده جاء؛ لتحفيز النّاس على تركه ويكون هذا الفعل سبب فلاحهم، ثمّ ما فائدة التدرّج في حكم الخمر لو كان آخر هذا التدرّج هو الكراهة، فالآية الأولى والثانية تحتمل الكراهية، أما الثالثة فهي تحريم قطعي لا شك فيه.
ولنفرض جدلًا أنّه مكروه، فهنالك الكثير من الأدلة التي تؤكّد تحريم الخمر في السنة النبوية، منها ما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- من قول النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّم بيعَ الخمرِ والمَيتةِ والخِنزيرِ، والأصنام). "أخرجه البخاري"