حياكم الله، بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته في مكة، وبدأ بالأقربين له وبعشيرته، واستمرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرض دعوته على قومه؛ محاولاً إخراجهم من الظلمات إلى النور، وحتى يؤسس دولة تحمل هذا الدين للناس جميعاً، لكنَّ قومه كذَّبوه وصدوا عن دينه، بل وحذّروا الناس منه، وعذبوه وأتباعه ومنعوهم من ممارسة شعائرهم.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذات الوقت يعرض نفسه ودينه على القادمين إلى مكة ولا سيما في مواسم الحجّ، وعندما تأكد النبي -صلى الله عليه وسلم- من عدم قدرته على بناء دولة إسلامية في مكة في أواخر العهد المكي؛ أخذ يبحث عن موطن مناسب.
وكان يطلب من الوافدين إلى مكة في الحجّ أن يَحْموه وينصروه؛ حتى يبلّغ رسالة ربِّه، وحاول النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجد موطناً لدعوته في الطائف ولكن أهل الطائف صدّوه، وأغروا به سفهاءهم، فضربوه بالحجارة.
ولما أراد الله -سبحانه وتعالى- لدولته أن تقوم؛ هدى الله -عزَّ وجلَّ- ستة من الشباب من أهل يثرب، ثم كانت بيعة العقبة الأولى، ثمَّ بيعة العقبة الثانية، فانتشرالدين الإسلامي في يثرب، وما هي إلا سنتان أو ثلاث حتى دخل الدين الجديد في كلِّ بيت في يثرب، فأصبحت بيئةً مهيئةً لقدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتحويل دعوته المباركة إلى دولة.
وعند وصوله -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب تنورت به وبدينه؛ فسُمِّيت بالمدينة المنورة، وحقَّقت له الهجرة هدفه الاستراتيجي؛ وهو بناء الدولة التي تحمي أهلها وتنشر رساتها، ويمكننا أن ننظر إلى الهجرة النبوية ودورها في تأسيس الدولة الإسلامية من عدّة جوانب، منها ما يأتي:
- كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- القدرة على سنِّ القوانين المنظمة لحياة سكان المدينة بكلِّ طوائفهم
وذلك للمسلمين منهم والذين لا يزالون على دينهم وجيرانهم اليهود، وبدأ النبي بذلك من حين وصوله إلى المدينة المنورة، ويُسمَّى ذلك بوثيقة المدينة، وهذا ركن أساسي لتكوين الدول؛ وهو الدستور الخاصِّ بالدولة.
- وفَّرت للنبي -صلى الله عليه وسلم- القدرة على تكوين القوّة -الجيش-
التي تحمي الدولة ومعتقدات أبنائها، وتدافع عنها، وهذه قوّة داعمة لنشر مبادئها وأفكارها وخصائصها للناس لجذبهم إلى هذا الخير، وليكوِّنوا لَبِناتٍ جديدة تتسع من خلالهم الدعوة والدولة، ويكون ذلك -بالتأكيد- دون إكراه؛ وهذه أبرز مقومات الدعوات والأفكار العظيمة القوية التي تعتمد الحوار والإقناع لا الإجبار والإرهاب، وللإسلام أوفر الحظّ من هذه الصفة، وهذه هي وظيفة القوة -الجيش- في الإسلام.
- وفّرت للمسلمين المهاجرين موطناً ومكاناً للعيش فيه، وهم من كانوا يعلِّمون الأنصار الدين، وهذه إحدى أركان الدولة.
- وفرَّت الحرية لساكنيها؛ من ممارسة معتقادتهم وشعائر دينهم التي قامت الدولة على أُسسها، والحرية هي أبرز ركن من أركان الدول المتحضِّرة.