متى بني البيت الحرام؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اعلم أنّ هذه المسألة اجتهادية تاريخية لا ينبني عليها عمل؛ لذلك لم يأتِ نصٌّ واضحٌ من القرآن أو السُّنة ببيانها، وإنّما اعتنت النّصوص الشرعيّة ببيان الأحكام اللازمة لدخول الحرم.

وللعلماء ثلاثة أقوالٍ مشهورةٍ في ذكر من أول من بنى الكعبة، وهي:

1. الملائكة.
2. آدم -عليه السلام-

وهذا قول ابن حجر، وابن الجوزي، وبعض المُعاصرين.

1. إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-

وهذا ترجيح ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وبعض المعاصرين.

وفي الحقيقة ليس هناك نصٌ قاطع في المسألة، ولكنّ القرآن أخبرنا أنّ إبراهيم قد رفع بناء الكعبة مع إسماعيل -عليهما السلام-، فقال الله -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). "البقرة :127"

وفي سورة الحج قال -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السّجود)، "الحج:26" فهذه النّصوص تُرجّح في ظاهرها القول الثالث، إذ ليس هناك دليلٌ ظاهر على غيره.

ولكن جاءت نصوص تُبيّن أن إبراهيم -عليه السلام- كان يعرف البيت المحرم قبل بنائه، كما جاء في قوله -تعالى-: (رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ)، "إبراهيم:27" وهذا الدعاء كان من إبراهيم عندما كان إسماعيل رضيعاً قبل بنائه للبيت بسنواتٍ طويلة.

لذلك قال أصحاب القول الثاني: إنّ البيت الحرام بناه آدم منذ أن نزل على الأرض، وكان قِبلة الأنبياء من قبل، ورويت آثارٌ ضعيفةٌ أنّهم حجّوا إليه، ثم اندرست آثاره حتى أخبر الله -عز وجل- إبراهيم بموضعه فبناه وأعلى بناءه.

ولَعَلِّي أرى أنّ الأقرب للصواب هو أنّ إبراهيم -عليه السلام- هو أول من بنى البيت الحرام ورفعه كبناء، أما قواعد البيت وأُسسه فقد كانت موجودة من قبل، إذ لا يوجد نصٌ صريح صحيح يجعلنا نعدل عن ظاهر الآيات التي تُفيد أنّ إبراهيم هو أول من رفع بناء الكعبة.

مع العلم أنّ الحرم المكي جعله الله حرماً منذ خلق السماوات والأرض، كما جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: (فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). "متفق عليه"

والله تعالى أعلم.