حياكم الله، تعدّدت آراء العلماء في حكم الاحتفال بالمولد النبويّ بين مجيزين ومانعين، واستدل مانعي الاحتفال بالمولد النبويّ بعدة أدلة منها أن السلف الصالح لم يفعل ذلك لا في حياة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولا بعد وفاته.
وكذلك استدلّوا بأنّ الاحتفال به أمر محدث ومبتدع، وقد نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الابتداع في الدين، وأخرجه مسلم في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ)، وقال بحرمته ابن تيمية والإمام الفاكهيّ، ووافقهم في ذلك ابن باز وابن عثيمين رحمهم الله.
وأجاز جمعٌ كبيرٌ من العلماء الاحتفال بالمولد النبويّ، ووضعوا فى ذلك مؤلفات كثيرة؛ منهم الإمام ابن كثير، وابن دُحيه، وابن الجوزي، والسخاوي والقسطلاني، والإمام السيوطي.
أما الإمام الحافظ ابن حجر فقد عدّ الاحتفال بالمولد النبويّ بدعة من البدع التي لم تكن موجودة في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يفعلها أحد من أصحابه بعده، إلا أنّه قال بجواز الاحتفال بمولد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لكونها بدعة حسنة، واشترط أن يكون هذا الاحتفال يخلو من المخالفات الشرعية.
ونُقل هذا الجواز عن ابن عيّاد -رحمه الله- في قوله: "أمّا المولد فالذي يظهر لي أنّه من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم وكلّ ما يفعل فيه ممّا يقتضيه وجود الفرح والسرور بذلك المولد المبارك من إيقاد الشمع، وإمتاع البصر والسمع، والتزيّن بلبس فاخر الثياب، وركوب فاره الدوّاب، أمرٌ مباحٌ لا ينكر على أحد قياساً على غيره من أوقات الفرح".
ووافقهم من المعاصرين الدكتور يوسف القرضاوي الذي أفتى بجوازه، على أن يكون الاحتفال خاليًا من المخالفات، وأن يكون باستذكار سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم واستعراض الأحداث المهمة في السيرة، واستحضار النعمة والفضل الذي منّ الله بها على العباد في يوم مولده -صلَّى الله عليه وسلَّم-.
وقد استدل العلماء الذين أجازوا الاحتفال بالمولد النبويّ بعدة أدلة، منها ما ثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من صيامه ليوم الاثنين، وهو اليوم الذي وُلد فيه، كما استدلوا على ذلك بأن الإسلام لم ينهَ عن إظهار الفرح والسرور، بل حبّب بذلك.
كما استدلوا على ذلك بأن الله تعالى قد أمر بالفرح عند وجود النعم، وعند نيل الرحمة من الله تعالى، حيث قال الله تعالى: {قُل بِفَضلِ اللَّـهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ}، "يونس: 58".
ومولد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أعظم النعم، كما جاء الأمر في كتاب الله تعالى بتعظيم شعائر الله حيث قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}، "الحج: 32"، فالاحتفال بمولد النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- جائز ما لم يكن يحمل مخالفات ونواهي، بل هو إظهار للفرح والنعمة التي أكرم الله تعالى بها عباده عند مولده.