حياكم الله أخي الكريم، وزادكم الله من علمه وفضله، وإن القائد الذي فتح مدينة المدائن هو الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارْمِ، فِدَاكَ أبِي وأُمِّي) أخرجه البخاري من حديث سعد بن أبي وقاص.
وقد باهى النبي صلى الله عليه وسلم به أصحابه فقال: (هذا خالي فليُرِني امرُؤٌ خالَه)، أخرجه ابن الملقن في البدر المنير عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، والحديث صحيح.
وقد عيّنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قيادة جيش العراق بعد استشهاد أبي عبيد الثقفي، فسار سعد بن أبي وقاص سنة 14 للهجرة في ستة آلاف مقاتل، ولما وصل العراق انضمّت إليه الجيوش الإسلامية الموجودة، وأمدّه عمر بن الخطاب بمددٍ حتى بلغ عدد جيشه ثلاثين ألف مقاتل.
وسار سعد بجيشه إلى منطقة القادسية، والتقى بجيوش الفرس الذين ترأسهم القائد الفارسي رستم فرخازد، وكان عدد جيش الفرس مائتي ألف مقاتل وثلاثة وثلاثين فيلاً، والتقى الجيشان وهُزم الفرس وانتصر فيها المسلمون، وكان ذلك يوم الاثنين من شهر محرم لسنة أربع عشرة للهجرة.
ثم زحف المسلمون بعد ذلك إلى المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية، واجتمع ستون ألف مقاتل تحت قيادة سعد بن أبي وقاص، وكانت المدائن تتكون من أكثر من مدينة، فاجتاز الجيش الإسلامي المدينة الأولى (بهرسير) وعبروا نهر دجلة.
ثم دخلوا مدينة (إفانير) وهرب كسرى الفرس، ونزل سعد بن أبي وقاص القصر الأبيض -إيوان كسرى- وصلى به المسلمون صلاة الجمعة، وكان ذلك يوم الجمعة التاسع عشر من صفر من السنة السادسة عشرة للهجرة، وبذلك أصبحت المدائن إحدى مدن المسلمين، وبفتح المدائن استسلمت بقية المدن دون قتال.