ما هي مدينة المهدية في العهد الفاطمي؟

حياك الله السائل الكريم، إنّ مدينة "المهدية" مدينة على الساحل التونسي، كان ابتداء بنائها سنة 303 هـ، وفُرغ من بنائها سنة 308 هـ، وهي موجودة إلى الآن في تونس، ولقد بناها عبيد الله المهدي مؤسس الدولة العبيدية الفاطمية ومات فيها كما يقول ابن كثير في "البداية والنهاية".

حيث كان يسعى للاستقرار في منطقة حصينة بعيدة عن التهديدات التي كانت تواجهه من أهل السنة الذين رفضوا دعوته وتشيّعه للمذهب الشيعي الفاطمي الإسماعيلي. يقول ياقوت الحمويّ في معجم البلدان: "خرج المهدي بنفسه إلى تونس؛ يرتاد لنفسه موضعاً يبني فيه مدينة خوفاً من خارجٍ يخرج عليه، وأراد موضعاً حصيناً حتى ظفر بموضع المهدية؛ وهي جزيرة متصلة بالبرّ كهيئة كف متصلة بزند".

ثم تأملها -عبيد الله- فوجد فيها راهباً في مغارة، فقال له: بمَ يُعرف هذا الموضع؟ فقال: هذا يسمى جزيرة الخلفاء، فأعجبه هذا الاسم فبناها، وجعلها دار مملكته وحصّنها بالسور المحكم، والأبواب الحديد المصمت". ولو نظرنا إلى خارطة الدولة التونسية وإلى موضع مدينة المهديّة فيها؛ لوجدتها كما أراد عبيد الله من كونها حصينة، إذ إنها دخلت في البحر الأبيض المتوسط متطرفة كالأصبع لوحدها؛ مما يجعلها متينة أمام جيوش ذاك الزمان.

كما أن عبيد الله المهدي وسّع المدينة؛ بأن ردم جزءاً من البحر لتوسعة المدينة؛ وبنى حولها سوراً محكماً، وأبواباً عظيمة وقصوراً عجيبة، وبعد أن بناها قال عبيد الله المهدي: "الآن أمنتُ على الفاطمية بحصانتها"، أو قال: "اليوم أمنتُ على الفاطميات يعني بناته"، كما ورد في "معجم البلدان".

وأما ميناؤها فقد حفر في الصخر، وأقام عبيد الله في المدينة داراً للصناعة؛ وجمع كل أهل صنعة بمكان، وحفر الآبار والبرك المائية والقنوات والدواليب؛ لنقل الماء، وبنى فيها الدكاكين؛ فلما استقرت انتقل إليها الناس مع أموالهم، وهي باقية إلى الآن ويوجد فيها بعض الآثار الفاطمية.