وعليكم السلام ورحمة الله، أخي السائل، من خلال النظر في آراء علماء المذهب المالكي بخصوص حكم الاحتفال بالمولد النبوي، نجد أنّ المالكية شأنهم شأن غيرهم من علماء المذاهب، منهم من اعتقد مشروعيتها، ومنهم من اعتقد بدعية الاحتفال بالمولد النبوي، أما إمام المذهب وهو الإمام مالك رحمه الله فليس له قول بخصوص المسألة؛ لأنه لم يُعرَف الاحتفال بالمولد النبوي إلا في القرن الرابع الهجري.
- المجيزون للاحتفال بالمولد في المذهب المالكي
الفقيهان الأميران العزفيان السَّبْتِيان أبو العباس "633 هـ" ألَّفَ كتاب المولد، وابنه أبو القاسم "677 هـ"، له نظم أكمل الدر المنظم، في مولد النبي المعظّم من تأليف والده أبي العباس، ومما جاء في الكتاب: "كان الحجاج الأتقياء والمسافرون البارزون يشهدون أنه في يوم المولد في مكة لا يتم بيع ولا شراء، كما تنعدم النشاطات ما خلا وفادة الناس إلى هذا الموضع الشريف، وفي هذا اليوم أيضاً تفتح الكعبة وتزار".
وممّن أجازه كذلك محمد بن أبي إسحق بن عباد النفزي "805 هـ"، ونقل عنه صاحب المعيار المعرب بخصوص الاحتفال بذكرى المولد النبوي: "الذي يظهر أنه عيد من أعياد المسلمين، وموسمٌ من مواسمهم، وكل ما يقتضيه الفرح والسرور بذلك المولد المبارك، من إيقاد الشمع وإمتاع البصر، وتنزه السمع والنظر، والتزين بما حسن من الثياب، وركوب فاره الدواب؛ أمر مباح لا ينكر قياساً على غيره من أوقات الفرح"
وقال أيضاً: "الحكم بأن هذه الأشياء لا تسلم من بدعة في هذا الوقت الذي ظهر فيه سر الوجود، وارتفع فيه علم العهود، وتقشع بسببه ظلام الكفر والجحود، يُنْكَر على قائله، لأنه مَقْتٌ وجحود. وادعاء أن هذا الزمان ليس من المواسم المشروعة لأهل الإيمان، ومقارنة ذلك بالنيروز والمهرجان، أمر مستثقل تشمئز منه النفوس السليمة، وترده الآراء المستقيمة"
- المانعون للاحتفال بالمولد في المذهب المالكي
يقول الإمام عمر بن علي اللخمي الفاكهاني في رسالته المورد في عمل المولد: "لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون ".
ويقول الإمام ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: "ومن جملة ما أحدثوه من البدع مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات، وأظهر الشعائر ما يفعلونه في شهر ربيع الأول من المولد وقد احتوى على بدع ومحرمات جمة"، وللإمام أبو الوليد الباجي المالكي، وهو من محققي المذهب المعروفين رسالة سماها "حكم بدعة الاجتماع في مولد النبي صلى الله عليه وسلم".
والله تعالى أعلم.