لماذا يبدأ الشعراء الجاهليون شعرهم بالغزل؟

تختلف الأسباب التي جعلت الشعراء الجاهليين يبدؤون قصائدهم بالغزل ثم ينتقلون منه إلى المواضيع الأخرى، وأبرز هذه الأسباب ما يأتي:

1. الاحتفاء بالمرأة باعتبارها رمزًا للجمال في البيئة الصحراوية القاسية، فهم يُقدسون مظاهر الحياة أكثر من غيرهم؛ لأنّهم كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر بحثًا عن تلك المظاهر كالكلأ والماء.
2. احترام العرب الجاهليين للقيم الأخلاقية المتعلقة بالشرف والعرض والعفة والفصاحة، وقد كانت هذه القيم معايير لاحترام الناس عامة ومنهم النساء، فكانت المرأة العفيفة الفصيحة ذات العقل الراجح دعاة للفخر، الأمر الذي يُعلي من شأنها وشأن أهلها أيضًا، لذلك قد يُعير أحدهم بنساء قبيلته أو قريباته من النساء أو يُطعن في عرضه.
3. ميل الرجال الفطري للنساء، فأغلب من نظم الشعر رجال وعليه درج تقليد بدء القصائد بالغزل.
4. ارتباط العلاقة بين الرجل والمرأة بالبيئة وتأثرها بعوامل متعددة منها مثلًا الرحيل بسبب الجفاف أو الجلاء بسبب الثأر، وغير ذلك من المعيقات التي كانت تُسبب الفراق الذي يُلوع قلوب المحبين، وكان هذا يؤثر في الشعراء أكثر من غيرهم، فتراهم يقفون على الأطلال يستذكرون ديار المحبوبة التي رحلت وبانت ليلتاع القلب على فراقها ويشتاق الشاعر إلى أيامه في مرابع القبيلة التي احتضنت قصة حبه.
5. الغزل كان غرضًا مناسبًا للانتقال إلى أغراض شعرية شائعة وهي المدح والفخر والهجاء، وعليه كان معيار حسن التخلص من معايير نقد الشعر وتقييم الشعراء، فمن كان تخلصه وانتقاله سهلًا مترابطًا كان أعرف من غيره، وإلّا فإنّه ليس بشاعر جيد، فمثلًا كان يشيع الانتقال من ذكر الصبر على فراق المحبوبة الجميلة والتأكيد على قوة عزيمة الشاعر في احتمال دلالها وابتعادها إلى الفخر مثلًا.