وعليكم السلام ورحمة الله، نرحّب بك أخي الكريم، إنّ قراءتك للقرآن الكريم على حسب نزول آياته وسوره جائزة؛ إذا كنت مراعياً أحكام الاستعاذة والبسملة، إلا أن المستحسن والمستحب أن تقرأ القرآن الكريم على ترتيب آياته وسوره كما هو في المصحف؛ اتباعاً للهدي النبوي، ولتتدبر سياق آيات القرآن وسوره، وتلتمس الحكم الربانية والهدايات القرآنية التي جاءت فيه، ويتحصل المقصود من القراءة.
وأما نزول آيات وسور القرآن الكريم فلم يكن على دفعةٍ واحدةٍ، وإنّما كان مفرقاً على تسلسل الأحداث، لكنَّ ترتيبها في المصحف لم يكن على حسب تاريخ نزولها، وإنما هو مرتب على ما قدره الله -تعالى- وجعله مكتوباً في اللوح المحفوظ.
وذلك لأنّ نزول آيات القرآن الكريم كان لمراعاة الأحداث والمناسبات؛ كالرد على سؤالٍ، أو للتعقيب على غزوةٍ من الغزوات، يقول -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا). "الفرقان: 32"
إذاً فكان نزول القرآن على حسب ما يتناسب مع الدعوة النبوية من الأحداث، وقد أجمع العلماء على أن ترتيب آيات القرآن الكريم وسوره هو أمرٌ توقيفيٌ من الله -تعالى-، فلا دخل ولا اجتهاد للبشر فيه، وكما أنزله الله -سبحانه وتعالى- على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة الوحي الأمين جبريل -عليه السلام-، كان ترتيبه على الترتيب والشكل المتواتر إلينا في المصاحف.
وعندما كان جبريل -عليه السلام- ينزل بالآيات على النبي -صلى الله عليه وسلم-، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحفظها ثمّ يأمر بكتاب الوحي ليكتبوها على الترتيب الذي يشير إليه النبي -صلى الله عليه وسلم، وبالشكل الذي علّمه إياه جبريل، وكما هو موجودٌ في اللوح المحفوظ، ومما يدلُّ على ذلك:
- حديث الصحابي زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: (كُنَّا عِندَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ- نؤلِّفُ القرآنَ منَ الرقاعِ)، "أخرجه الترمذي، صحيح" ومعنى نؤلف أي نجمع.
- ما ثبت عن الصحابي عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- قال: (قُلتُ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ: "وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا"، قَالَ: قدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا أوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: يا ابْنَ أخِي، لا أُغَيِّرُ شيئًا منه مِن مَكَانِهِ). "أخرجه البخاري"